كتب - شدن علاء
كثيرون هم الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد ولكن قليلون من هم ينتصرون عليه ، وكثيرون يفقدون الأمل بالسنوات الأولي ويمضون محبطين تعيسين ليس لديهم هدف في الحياة ، وقليلين من يتغلبون علي التوحد ويحققون انجازات في مجالات عديدة وأبرزهم (الرسم ، الغناء ، الأعمال اليدوية ، التفوق الدراسي) .
كريم عز الدين ذو 12 عاماً ، يقيم بمحافظة القاهرة بحي العجوزة ، يتميز كريم بقدرة ذكاء واستيعاب عالية وقوة بدنية ومظهر جذاب ملفت للانتباه ، لديه روح الدعابة والمرح لدرجة أن من يتعامل معه لا يشعر بأن لديه متلازمة (أسبرجر) إحدي متلازمات اضطراب طيف التوحد .
تجاوز ذلك الطفل الأزمة النفسية والاجتماعية والسلوكية وتغلب علي الصمت والعزلة المصاحبين لاضطراب التوحد ، لم تكن إصابة كريم بالتوحد عائقاً في مسيرة حياته التعليمية ولم يمنعه ذلك من إجادة العزف والرسم والتلوين .
وعبرت سماح والدة كريم أنه لم تظهر عليه أي أعراض تدل علي إصابته بالتوحد منذ ولادته وكان يبدو كأي طفل طبيعي حتي بلغ من العمر ثلاث سنوات ، تغير سلوك كريم وأصبح يمارس حركات نمطية تكرارية كالدوار حول نفسه ويرفرف بيدينه ويمشي علي أصابع أرجله وكأن الأرض بها لهيب حارق ، ويضحك ويبكي في ذات الوقت .
تشعر والدة كريم بأن ابنها يعيش بعالم أخر ولم يعد يستجيب لها حين تناديه بأسمه ولا يتفاعل مع أي فرد من أفراد أسرته وعند حضور أي مناسبة يضع يديه علي أذنيه ويظل يصرخ وكأن بصدره براكين من الألم .
وأضافت سماح أنها كانت في صدمة ودهشة عند رؤية طفلها بذلك الشكل ولكن سرعان ما عرضت كريم علي طبيب نفسي ، وكانت النتيجة بأن كريم شُخص باضطراب طيف التوحد .
لم تكن تعلم تلك الأم عن ماهيه ذلك الاضطراب واعتقدت أنه مثل أي مرض يمكن الشفاء منه من خلال نظام طبي وغذائي وسيعود مثل ما كان عليه ، حزن قلبها علي طفلها الجذاب حسن الوجه ، قد خطفه ذلك الاضطراب من أسرته وعالمه وبالرغم من كل ذلك لم تستسلم والدته أبداً .
وأوضحت سماح أنها بعد إدراك ووعي بمعرفة مفهوم التوحد وأنه سيلازم ابنها طوال حياته ولن يشفي منه ، أخذت بيديه وتقبلت حالة ابنها كما هو عليه وأصرت علي إيجاد طريقة لشفاءه وتعليمه العديد من المهارات والخبرات وتطوير سلوكه المجتمعي ساعية كأي أم ليرتقي سلوك طفلها ويصبح في حالة أفضل .
كان دور والد كريم مهم ومن أساسيات تحسن وتعافي كريم ، وبالتعاون بين الأب والأم وأشقاءه تعلم كريم الرسم والتلوين والقراءة والكتابة واكتشفوا أن لديه قدرة عالية في الذكاء في حل المسائل الرياضية ، وعندما أتم سن دخول المدرسة سجلت الأم في إحدي مدارس الدمج وتم قبوله بعد عدة امتحانات وقد اجتازهم بتفوق .
وأشارت سماح بأن العلاج في سن كبير به عواقب كثيرة وجهد وضغط كبير ومن الأفضل محاولة تحسين حالات أطفال التوحد في مرحلة مبكرة من أعمارهم ، مؤكدة أنه عند حدوث أي تقصير كان الأمر يزداد سوءاً ولكن كانت مثابرة وصبورة و قد تخطت كل الصعاب والآلام وتمكنت من تحقيق أحلامها في رؤية طفلها يتحسن وينمي هواياته ومهاراته .
وعبرت الأم أن أصعب تحديات واجهتها مع كريم هي المرحلة الإبتدائية في التعليم وكانت أصعب مرحلة بالنسبة له لصعوبة التعامل والتأقلم مع أقرانه في مرحلة مبكرة من العمر ، ولكن بعد ما التحق كريم بالمدرسة الإعدادية ورأت نجاح وتطور سلوكيات وتفاعل ابنها سجدت باكية من الفرحة لتخطيه تلك المراحل الصعبة .
وعبرت سماح أن من أسعد أيام حياتها حينما رأت كريم يعزف علي البيانو في إحدي الحفلات المدرسية ، وتناشد كل أم لديها طفل توحد بأن تتقبل طفلها كما هو لأن هذا ما كُتب عليهم ، وأن يلجأوا دائماً للدعم النفسي والبحث عن بيئة مريحة وأشخاص يتقبلون أولادهم بوضعهم المختلف المميز